تعتبر جراحات العمود الفقرى بالمنظار من أخطر وأدق العمليات الجراحية بين كافة التخصصات الجراحية الدقيقة الأخرى، على المستوى العالمي. كما وإنها جراحات باهظة التكاليف من الناحية المادية نظرا لأن العاملين في هذا التخصص من الجراحة يُعَدُّونَ، عالمياً، على اصابع اليد الواحدة.
وبالنسبة للمرضى، فإن جراحات العمود الفقرى تتعلق فى أذهان الكثيرين منهم بمضاعفات جانبية عديدة، من أهمها ارتفاع نسبة حدوث الشلل نظرا لأن معظم الجراحات تكون بجوار الحبل الشوكي.
يؤكد الدكتور ريتشارد فليسر رئيس قسم جراحة الأعصاب بجامعة شيكاغو، أن استخدام المنظار لا يتطلب أكثر من عمل فتحة صغيرة لا تتجاوز 1-2 سنتيمتر مقارنة بالفتحة الجراحية البالغة حوالي 5-8 سنتيمترات، ولا يتطلب قطع عضلات الظهر مما يجعل الألم معدوماً بعد العملية مقارنة بالعملية الجراحية العادية. وتشير نتائج العمليات، التي أجراها الدكتور فليسر لحوالي 115 شخصاً، إلى ارتفاع نسبة نجاحها في تخفيف الأعراض ودوام ذلك لدى المتابعة لأكثر من سنة ونصف بعد العملية، وأن العملية لا تستغرق أكثر من ساعتين، وأن معدل بقاء المريض في المستشفى بعدها هو حوالي 10 ساعات.
ويوضح الأستاذ الدكتور تامر أبو هميلة أستشارى جراحة العظام والعمود الفقرى وإصابات الملاعب ورئيس قسم جراحة العظام بالمستشفى السعودى الألمانى بجدة لـ«الشرق الأوسط»، أنه مع تقدم العلم وتطور التكنولوحيا منذ أكثر من 15 عاما بدأت جراحات المناظير الدخول بقوة فى مجال جراحة العمود الفقرى. وباستخدام هذه التكنولوجيا الحديثة التى تحتاج الكثير من التمارين الدقيقة جدا والكثير من الممارسة والتدريب على مدار السنين المتتالية للتعلم والوصول الى مستوى علمى مناسب.
* جراحات المناظير ويؤكد د. أبو هميلة على التقدم الكبير الذي حققته جراحات المناظير خاصة فى تخصص جراحات العمود الفقري وفي العديد من مجالاته، ومنها:
استئصال الانزلاق الغضروفي بواسطة منظار الظهر، والذي اصبحت معه هذه العملية الآن لا تستغرق اكثر من 25 دقيقة وأصبح المريض لا يقيم بالمستشفى اكثر من يوم واحد، يستطيع بعده السير بطريقة طبيعية وبدون أي آلام. كما يمكن لبعض المرضى الذهاب مباشرة إلى العمل بعد اسبوع واحد فقط من اجراء العملية وهم في صحة جيدة بعد معاناة تكون قد دامت عدة سنوات مضت. لقد أصبح هناك، مع هذه التقنية، أمان اكثر وعدم خوف من اصابات الحبل الشوكي كما كان يعتقد سابقا.
إصلاح حالات الجلف أو اعوجاج العمود الفقري بواسطة استخدام جراحة المناظير، وهي تعتبر من أهم وأحدث المجالات التي تستخدم فيها ايضا مناظير جراحة العمود الفقري. كانت هذه العملية تتطلب، سابقاً، إجراء عمليتين؛ إحداهما من الأمام من جهة الصدر (تستغرق اكثر من ثلات ساعات) والأخرى بطول العمود الفقري من جهة الظهر. وحيث أن الجلف أو الأعوجاج في العمود الفقري يأتي أكثر في البنات فكان الموضوع في غاية الصعوبة نتيجة وجود جرحين كبيرين ويمثل شكلا مأساويا لهن بعد إجراء الجراحة.
وبتطور جراحات المناظير في عمليات العمود الفقري، فقد صُرفَ النظر عن إجراء العملية من الامام. لقد أمكن باستخدام المنظار حاليا اجراء هذة العملية في غضون 35 دقيقة فقط، ومن دون جرح نهائياً، ومن دون مشاكل بالرئة، ودون آلام بعد العملية كما كان يحدث سابقا. وبذلك تمكن المريض من الاستغناء عن إجراء عملية جراحية بكاملها وأمن من مساوئها العديدة، حيث كان يتم فيها استعدال العمود الفقري من جهة الأمام ثم بعد ذلك تجرى له عملية اخرى من الخلف لاستكمال استعدال العمود الفقري. استبدال الغضروف بغضروف صناعي بواسطة المنظار، من البطن أو باجراء عمليات التحام بين الفقرات من الأمام باستخدام المنظار من جهة البطن أيضاً وذلك للابتعاد تماما عن الحبل الشوكي ومشاكله الحساسة. وتستغرق هذه العملية حوالي ساعة الى ساعة وخمس عشرة دقيقة، وقد تحققت لها نتائج أكثر من رائعة وبدون جراحة على الأطلاق. وأصبح في استطاعة المريض السير على قدميه خلال 24 ساعة من العملية بدون ألم أو أي مشاكل أخرى.
* إنقاذ مريض من الشلل في عملية جراحية نادرة > كمثال حي على استخدامات المنظار في جراحة العمود الفقري، يُذكر أن فريقا طبيا من المستشفى السعودي الألماني بجدة نجح في إجراء عملية جراحية دقيقة ونادرة من نوعها.
فقد حضر المريض مصاباً بالدرن في منطقة حساسة جدا بالعمود الفقري، وتحديداً في الفقرة الظهرية الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، بجوار القلب مباشرة، وقد أدت هذة الأصابة بالدرن الى ضغط مباشر على الحبل الشوكي مما نتج عنه شلل كامل للساقيين ولجميع عضلات الجسم من اسفل الجسم وحتى منطقة الذراعيين، وقد استمر هذا الشلل لمدة ثلاثة اشهر.
يقول أ.د. تامر ابو هميلة استشارى العمود الفقري وجراحات المناظير ورئيس الفريق الطبي المعالج، أنه قرر اجراء هذه العملية لأول مرة (بين الحالات المماثلة) بمجموعة مستشفيات السعودي الألماني باستخدام منظار القفص الصدري لأستئصال هذا الدرن وزراعة فقرة جديدة بدون تدخل جراحي، وذلك بسبب حساسية وخطورة المكان المصاب من جسم المريض. ويضيف أن العملية استغرقت ساعة من الزمن خرج بعدها المريض بصحة جيدة وهو الآن ينعم بنعمة الأحساس والحركة الطبيعية مرة اخرى.
و اشار د. أبو هميلة الى ان هذه العملية تعد الأصعب في جراحة المناظير وتحتاج الى عناية ودقة طبية وجراحية كبيرة لافتا إلى أن هذا النوع من العمليات هو من أدق العمليات واصعبها على مستوى العالم ويندر اجراؤها بالمنظار لأنها تحتاج الى دقة متناهية.