بسم الله الرحمن الرحيم )
توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين ,أمابعد: إعلم وفقني الله وإياك لمرضاته ان العلماء المبلغين لدين الله من هذه الامة منحصرين في قسمين .
القسم الاول : حفاظ الحديث وجهابذته والقادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام .
القسم الثاني: فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (اعلام الموقعين ج1) :
ولما كانت الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله شعار حزبه المفلحين وأتباعه من العالمين كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وكان التبليغ عنه من عين تبليغ ألفاظه وما جاء به وتبليغ معانيه كان العلماء من أمته منحصرين في قسمين:
أحدهما: حفاظ الحديث وجهابذته والقادة الذين هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام الذين حفظوا على الأئمة معاقد الدين ومعاقله وحموا من التغيير والتكدير موارده ومناهله حتى ورد من سبقت له من الله الحسنى تلك المناهل صافية من الأدناس لم تشبها الآراء تغييرا ووردوا فيها عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا وهو الذين قال فيهم الإمام أحمد بن حنبل في خطبته المشهورة في كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله تعالى الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين.القسم الثاني: فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} ذلك خير وأحسن تأويلا قال عبد الله بن عباس في إحدى الروايتين عنه وجابر بن عبد الله والحسن البصريوأبو العالية وعطاء بن أبي رباح والضحاك ومجاهد في إحدى الروايتين عنه: "أولو الأمر هم العلماء" وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقال أبو هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى وزيد بن أسلم والسدي ومقاتل: "هم الأمراء" وهو الرواية الثانية عن أحمد.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) :
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } يعني: أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وأبو العالية: { وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ } يعني: العلماء. والظاهر -والله أعلم-أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، كما تقدم. وقد قال تعالى: { لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } [المائدة:63] وقال تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل:43] وفي الحديث الصحيح المتفق عليه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصا الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصا أميري فقد عصاني" فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء.انتهى كلامه رحمه الله .
قال القرطبي رحمه الله تعالى عندما ذكر عدة أقوال في تفسير قوله تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )):
وأصح هذه الأقوال الأول والثاني , فذكر الاول ثم قال وأما القول الثاني فيدل على صحته قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . فأمر تعالى برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة؛ ويدل هذا على صحة كون سؤال العلماء واجبا، وامتثال فتواهم لازما. قال سهل بن عبدالله رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء؛ فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم.
قال الشوكاني رحمه الله عند تفسير قوله تعالى(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) :