بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم
أما بعد ....
فإن الحج من أعظم العبادات تأثيراً في القلوب، وإثارة للمشاعر،
وتذكيراً بعظمة الخالق سبحانه وعظيم جلاله...
فيه تخشع القلوب لباريها، وتسكب الأعين عبراتها من خشية الله ،
وتزكِ الأنفس وتتخلص من أدرانها ..
وتنشرح بذكر الله عز وجل ودعائه التقرب منه...
بــــــــــــــــــــــذكــــــــــــــــــــر الـلـه تـــــــــــــرتـــــــــــــاح القلــــــــــــوب
ودنيــــــــــــــــــانـــــــــــــا بــــــــــــــــــذكـــــــراه تطيـــــب
فالله أكبر.. ما أعظم هذا الموسم العظيم ! !
الله أكبر.. ما أجلّ هذا المشهود الكريم ! !
الله أكبر.. ما أروع هذا التجمع البهيج ! !
فيا أخي الحبيب / وأختي الحبيبة ! هنا تُسكب العبرات، وتذرف الدموع متتابعات؛
شوقاً وندماً، ورجاءً وخوفاً، ومحبة وأُلفاً.
فأين دموعك في هذا الموقف العظيم.. حينما يتجلّى الله عز وجل للناس في يوم عرفة، فيقول (( يا ملائكتي.. انظروا لعبادي .. أتوني شعثاً ..غبراً .. ضاحين .. أشهدكم أني غفرت لهم)) رواه أحمد.
أما سألت نفسك : لماذا يبكي الناس ولا تبكي أنت؟لماذا تذرف عيونهم دموع الخشية والمحبة والشوق، وتجمد عينك فلا تسمح بدمعة واحدة؟
أما علمت أن الدموع هي لغة لا يعرفها إلا المحبون الصادقون، الذين عرفوا
عظمة المحبوب، وعظم تفريطهم، فأرادوا غسل ذنوبهم بمدامعهم ..
والـــدمـــــعُ مـــن تـــائـــــب أنـقـــى مـــــن الـسـحــــب
وخيـــــــــر مـــــا يغســــــلُ العــــــاصــــي مــدامعُــــــه
قال صلى الله علية وسلم: ( لا يلج النار بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ) رواه أحمد والترمذي.
نعم أخي الحبيب/ أختي الحبيبة ... دمعة تذرفها من خشية الله ، تحرّم جسدك على النار،
وتجعلك من أهل الجنة الأبرار.. فهل يصعب عليك أن تذرف الدموع في هذا الموسم الكريم
الذي يتفضل الله فيه على عباده بالعفو والغفران..
وإذا صعب عليك سكب العبرات في الحج ، فاعلم أن ثمة وحشة، فينبغي معالجتها
بكثرة الذكر والاستغفار وتلاوة القرآن، والثناء على الله بما هو أهله،
والدعاء والإلحاح فيه، و التخشّع في ذلك كله ، حتى يكون الخشوعُ سجيةّ ، فنزول الوحشة، وتسمح العين بعبراتها.
إخوتي في الله ! كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه _ وهو الشديد في الحق_ ذا قلب رقيق، إذا سمع القرآن بكى وتساقطت دموعه من خشية الله ...
وبكى بهيم العجلي في سفر، فتقاطرت دموعه على صدره، وقال :
( ذكرت بهذه الرحلة الرحلةَ إلى الله ، ثم علا صوته بالنحيب )
وكان أسفل عيني ابن عباس مثل الشراك البالي من البكاء.
وقال ابن مهدي: كنت لا أستطيع سماع قراءة سفيان من البكاء.
قال تعالى: ( قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107 ) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ( 108 ) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ).
فاللهم ارزقنا دمعة صادقة تكون سبباً في فوزنا بالجنة ونجاتنا من النار.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.