تزداد الآم الفلسطينيين ومعاناتهم في قطاع غزة خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام، خصوصاً بعد عدوان "الرصاص المسكوب"، حيث آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، فيما آلاف أخرى من المنازل المدمرة لم يحن بعد موعد زحزحة ركامها وكأنه يحاصر أصحابها كما الاحتلال، أما الأسر المعوزة والفقيرة فتكاد الصورة تمتلئ بهم في ظل حصار وصفته مؤسسات دولية بأنه يفقد الإنسان "آدميته".
أم محمد أبو طعيمة في نهاية عقدها السادس لم تنتظر طويلاً، فما أن أطلت الشمس من مشرقها في أول أيام شهر رمضان المبارك، حتى لملمت بعض من ملابسها وتوجهت إلى ما كان بالأمس القريب منزل أبنائها في منطقة خزاعة شرق خان يونس.
رمضان هذا العام ليس كغيره من الأعوام السابقة بالنسبة للحاجة أم محمد، فلا أبناؤها وأحفادها سيلتفون حولها في حديقة المنزل في انتظار آذان المغرب، ولا الأهل والجيران سيصلون معها "التراويح"، فقط هو الحزن والألم وبعض الذكريات ما تبقى لها.
الأبناء مشردون في أكثر من مكان بعد هدم المنزل والأهل مكلومون بفقدان الأحبة، والجيران بعضهم يعيش في بقايا منزله المدمر وآخرون ما زلوا يتنقلون بين المنازل المستأجرة، أما هي فأخذت تجول بناظريها في قطع الحجارة المتناثرة والركام الذي يبدو أنه لن ينتقل من صفة الركام إلى البناء.
وبعد أن أخذت نفساً عميقاً قالت بلغتها البسيطة: "كل سنة رمضان بيجمعنا يا ابني، لكن هالمرة لا رمضان ولا غيره ممكن يجمعنا، أولادي كل واحد ساكن في منطقة، والجيران كلهم على حالتي". وتساءلت وتجاعيد وآلام الحصار والدمار تغطي تفاصيل وجهها: "والله ما أنا عارفة ياما كيف بدي أفطر اليوم بدون اللمة؟". أجابت العجوز بدموع سالت من مآقيها قبل أن تدير وجهها عنا، لتعود من جديد تتأمل حجارة المنزل.
تتعد الأسباب لكن الألم واحد، هنا قصة أخرى ضحيتها هو الفلسطيني الذي لم يتغير البتة، أسرة الأسير سالم أبو شاب (43 عاماً) المعتقل منذ عام 1993 ويمضي حكماً مدى الحياة، تعيش رمضان هذا العام في حزن عميق بعدما أرهقها طول انتظار الإفراج ضمن صفقة تبادل الجندي الاسرائيلي الاسير غلعاد شاليت، وعلى مائدة الإفطار تبدو ملامح الحزن أكثر، أبناء وأحفاد كانوا يأملون برمضان في حضن رب الأسرة، لكن الاحتلال يأبى. الزوجة أم عائد قالت: "منذ اعتقاله لم أشعر بطعم لهذا الشهر الكريم رغم فضله، لكننا هذا العام منذ بدايته أعددنا العدة لأن يكون زوجي بيننا في رمضان من كثرة الحديث عن صفقة التبادل، لكن مرارة الأيام يبدو أنها ستتواصل". وأضافت بعيون دامعة: "زد على ذلك، استشهاد أحد أبنائي، كيف يمكن أن يكون طعم الإفطار؟".
وإذا خرجنا من إطار العائلات المدمرة بيوتها أو ذوي الشهداء والأسرى، فإن أول ما يواجه الغزيون حالة الفقر الذي يضرب أطنابه في كل زاوية من قطاع غزة، بصورة أفقدت شهر الصيام رونقه إلا من حلاوة الصيام أو القيام.
الفلسطيني عبد الله السلال (44عاماً) يكاد يكون نموذجاً لعائلات غزية كثيرة، فهو عاطل عن العمل منذ سنوات، وقبل بداية شهر رمضان بدء رحلة جديدة من البحث عن المساعدة في هذه الجمعية أو تلك المؤسسة الخيرية،عله يجد ضالته في شوال دقيق أو سلة غذائية تسد رمق 12 من أبنائه. قال: "الشعب الفلسطيني كله هموم، فأنا وقبل أن يبدأ هذا الشهر الفضيل أحاول أن أبحث عن جهة ما تساعدني في ظل الظروف الصعبة، فلا عمل منذ سنوات ولا مجال أمامنا إلا هذه الجمعيات". وتابع: "والله أحاول أن أدخل الفرحة على أسرتي بأي وسيلة ولكن من دون جدوى، وليس للفقراء أمثالنا سوى الصلاة والصيام والدعاء".
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أطلقت نداءً عاجلاً قبل أيام طالبت فيه المانحين والدول العربية بتقديم 181 مليون دولار لتمكينها من الاستمرار في تقديم خدماتها الطارئة إلى اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من سكانه.
وأكدت في بيان لها أنه "مع حلول شهر رمضان المبارك ما زالت الأوضاع في قطاع غزة سيئة، وأصبحت حياة مليون لاجئ في غزة يمثلون 70 في المئة من إجمالي السكان تخيم عليها البطالة المزمنة، وقلة الحصول على المياه والطاقة والأخطار الصحية، ومستوى الإسكان المتدني فيما يعيش الآلاف تحت أنقاض بيوتهم السابقة فاقدين كل حاجياتهم الدنيوية".