عشت مهموما بطيف الهوى
مكتويا بنار الجوى
حتى صدري ضاق
من شدة الفراق
أوراق الشجر اصفرت
سقطت فاضمحلت
والريح اشتدت
والأغصان انكسرت
طائر يقاوم الريح
يحلق فيسقط
في أمواج الشفق
غروب في الأفق
محلى بلون اللهب
في سماء حارسها
القمر
فلا يظل إلا همسي
وذكريات من الماضي
تطوف بطيف خيالي
الحياةُ فرحٌ وحزنٌ. الحياةُ سعادة وشقاء. الحياة عُسر ويُسر. الحياة ليلٌ ونهار. الحياة شروق وغروب. الحياة ظلام ونور. الحياة نِعمة ونِقمة. الحياة شتاء وربيع. الحياة بياض وسواد. الحياة فَقر وغِنىً. الحياة ورد وأشواك. الحياة حلاوة ومرارة. الحياة رجل وامرأة. الحياة دمعة وابتسامة.
لا يمكن للحياة أن تستمر إلا بوجود هذه الثنائية، فبها نحيا، وبدونها ننعدم. فلكل شيء ضدٌّ يعكِسُه وظلٌّ يرافِقُه حتى المنتهى.
فتخيل نفسك أن الحياةَ كلَّها فرح، هلاّ أخبرتني عن معنى وجودِك ومدلولِ فرحِك؟
وتخيل أن حياتَك على الدّوام ليلٌ وليل وليل، هلاّ أخبرتني كيف سيكون عيشُك وإلى أين ستمضي أيامك؟
وتخيل أن الدموعَ لا تفارق عينيك، فإلى أين سيؤول إليه حالُك، وهلا أخبرتني عن مكنون عبَرَاتِك؟
وتخيل أن الحياةَ فقط ذَكَرٌ دون أنثى، فحدِّثني عن مآل هذه الحياة، وخبِّرني عن معنى سعادتك واكتمال شخصِك.
الحياةُ لا تكتملُ ولا يصيرُ لها معنىً دون أن يكون لهذه الثنائية حضور. فبها تتجَسْدَنُ الحياة وتتشكْلًن، وبها تأخذ صيرورَتها في دائرة حلزونية نحو اللانهاية، لتقول في الأخير حروفَها: أنا الحياة مكمن سرِّي وعنوانُ وجودي في دمعةٍ وابتسامة
.
الحبُّ أوله اشتياقٌ وآخره احتراقٌ، والعاقل من يرى الأمورَ في عواقبها قبل حدوثها، وقبل الوقوع فيها. فكم من حبٍّ في طياته مِحَن. وكم من مُحبٍّ لم ينل من حبِّه إلا التعاسةَ والشقاوةَ.
حبُّ من تحب يدفعك إلى فعل ما يُرضي المحبوب، وتحقيق سعادته. فانظر إلى من تضع حبَّك فيه. فقليلون هم من يقدِّرون الأفعال ويضعونها موضِعَها، وكثيرون من لا يلقون للأشياء بالا ولا يُعيرونَها اهتماما، حتى لايَصدُق فيك قول المتنبي:
إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا
العاقل من يرى الأمورَ بميزان العقل لا بميزان القلب. فكم من حب جرّ على صاحبه الويلات، وكم من عاقل جرّ معه الخيرات؛ برؤيته الفاحصة، وتدبّرِه المُحكم، وحكمته البالغة.
فلا تصل إلى المبتغى بعين العجلة، وابلُغْه بعين الرّوِيّة والوقار. فالعجلة لا يُحصد من ورائها إلا الندامةُ والانتكاسةُ، والروية لايُقطف من ورائها إلا السكينةُ والاطمئنان. فانظر أيهما تختار.
ثمة حلمٌ
ينقصه الصوتُ
أنت تناديه وهو بعيد في الصمت
ثمة
وردة تلحقُها
في النهر
أنت تعشقها وهي تفر من القطف
ثمة قمرٌ
يتلألأ في السماء
أنت تحيّيه
وهو يغيب في حضرة الحلك
الوردة الحمراءعلى ضفاف الوادي
وردةٌ صغيرةٌ حمراء
وسْط عشب بين الأشواك
تنتظر صعودَ القمر
دموعٌ على الخدّ كالنجوم
وبريقُ البدر على الصدور
وشعاعُ الفجر في الدروب
ونسمة الصبح لاتموت
الكون كلُّه وردةٌ حمراء
على شفتي
وصدري
وقلبيَ المطروح
انعدم الوجود
لاشيء آخر
غير حبِّي والقمر
ونبضةٍ في السّمر
فرِحت فرحا غمَر قلبي، فأيقظ شعوري، وبه انبسط وجهي.
هي فرحةٌ تُشعل الفمَ كلماتٍ، بها يُعلن انتسابَه إلى المكان، ويخُطّ من خلالها حروفا تنتشي بنشوة السّرور، حيث الحياة لا تستمرّ إلا بها، ولا تكتسي إلا بجمالها.
بها يحيا الوجود، وبدونها ينعدم.
غير أن الفرحةََ إذا لم تجد من يشارِكها فرحتََها تغدو كآبة، فيصبح السرورُ حزنا، والكلماتُ صمتا تغزو الفؤاد. عندها ترحل النشوة وينعدم الوجود، وتنطفئ الشموع معلنةً حلولَ الظلام، حيث تنتفي الرؤيةُ والكلام، وتجعلُ من الأحلام امتدادًا نحو الختام.
ليس كل ما يتمناه المرءُ يحققه. فالحياة مرةً تعطيك، ومراتٍ تمنع عنك، وما تمنعه عنك يستوجب الصبرَ، ومع الصبر تحتاج إلى الحكمة، حتى تعرف السبب وراء المنع والحكمةَ من ذلك. فكم من شرّ مُنع عنك وأنت ترى الخير فيه، ولو انكشفت لك الحُجُبُ لرأيت ما لا عين رأت ولسمِعْت مالا أذن سمعَت. لكن الحياة هكذا. وكم من خير مُنِحته وأنت ترى الشرّ فيه، وعندما تمرّ السنون تنكشف لك الأمور وتظهر، فيظهر الشرُّ خيرا، ويظهر الخيرُ شرا.
على المرء أن لايسعى خلف الأمور بِعَجل، بل يجب السعي بتروٍّ ورزانة. وإحكامُ الرّوية في الأشياء أمر ضروري، ففي التأني السلامة، حتى لا ترمي بنفسك في ما لا يُحمد عقباه. فكم من ندم مرجعُه العجلة والسرعة، ففي العجلة الندامة. وكم من سرور أتى بعد التّروِّي والتّأني. فلا سرور بعد العجلة، ولا ندامة بعد التأني.
قد يظن المرءُ أنّ السعيَ وراء ما يتمناه، والحرصَ على تحقيقه أمر مطلوب، بل هو أمرٌ مذموم، والمذموم فيه الحرص على تحقيق الشيء مهما كان. فقد أُمرنا بالسعي واتخاذ الأسباب، وقد تأتي النتيجة وقد لا تأتي. لهذا فالمطلوب السعي والمطلوب ترك التحقيق. فكم من حرص أورث مذلة وهوانا، وكم من سعيٍ بلا حرص أورث عزة وإعظاما.
فلا تبك على ما فاتك، وانظر أمامك، لعل ما يأتي خيرٌ من الذي مضى. فلا البكاء ينفعك ولا التحسّر يرضيك، وما سيُطمئِن بالَك إلا فسحة الأمل. فلا حياة بدون أمل، ولا أمل مع فقدان الحياة. فأينما توجد الحياة فتمّت هناك أمل. والحياةُ لا ترسو على حال، فيوم لك ويوم عليك. فخذ من يومك السعيد ما تستعين به على يومك الحزين، ودوام الحال من المُحال.
أكتب بمداد أنــفاســي
ذكريات أيقظت إحساسي
فأشعلَت لهيب أشواقي
أضمرْتُ يأس نيراني
أظهرْت سعادة أجفاني
فهزّ الهوى مدامعي وطواني
تنزّهت في متاهة الرمل
علّه يطفئ لهيبَ نيراني
قبل انقضاء حلمي وآمالي
فلا الرملُ لبّى ولا نداني
ولا الرياح أسعفت رحيلي
بل زادت في خيبتي وأنيني
وبعدها شقاوتي وسُهادي
عطَشي يُضْعفني فيقتُلني
والماء يرويني والحُبّ يُحييني
إلى دمعتي
التي انهمرت بدون إذني
حزينة
على التي تركتني
وحيدا
تائها
في دروب السدوم.
إلى المرأة التي لم تولد بعد
إلى من أحب.
[/right]
[/right]