الكــــــفـــــــر بالـــــوطنية / بقلمي
عندما نتعمق في موضوع الشباب ، نتنقل مباشرة الى التفكير في الحياة ، وفي أهم عناصر وجودها و استمرارها .. وعندما نتأمل مجريات هذه الحياة ، نجد أنفسنا بصورة تلقائية ، نستعرض حركة الزمن بكل ما تحمله من تطور و تعاقب بين الماضي و الحاضر و المستقبل .. وهكذا نستنتج أن الشباب .. أي شباب .. هو خلية الحياة ، وحيويتها و هو علامة الزمن و تطوره .. وبالتالي لولا الشباب و فتوة مرحلته ، لما كانت للحياة جمالية أو قيمة ولما كان للزمن أي دافع للإحساس ، ولا للوجود أي معنى .
و عندما نحصر تفكيرنا على الشباب العربي ، نجد أنه لا يزال مند الأزل حاملا لرسالات البطولة و الحق و درعا واقي للأرض ، والوطن الذي احبه و جعله مسكنه و رأى حضن الأم فيه ، و جعله من حبه ايمانا ، فلطالما قال فيه شعرا و حكما و خواطر لازالت تستقى من الهام الوطن و ليضرب في غضون تضحياته مثالا في الوطنية الشماء ساعيا للوحدة و التكتل تواقا دائما الى ما هو أفضل و أبقى و أشرف ..
و مازال في طليعة شباب المعمورة ، قوة و عزيمة و ثباتا .. همة و صدقا .. صبرا و بذلا و فداءا ـ وعدلا و حكمة ووعيا .. وكان قبل كل شيء يؤمن بالحق و النصر المبين و يقدس الفضيلة و يرعى التقاليد ، و يمجد البلد بوعي الولد .
لكن ... عندما اسقط ما قلته على واقع شباب اليوم .. يدفعني الأمر الى أن أسلط الضوء على نظرة لا أعرف ان كانت عادية أم فوق العادة ..
حيث أنني أجد بعض شباب اليوم يعيشون ما يسمى بـ " الكفر بالوطنية " أو كما اسميه " الجوع الإنتمائي" .
مظاهر متعددة مستقاة من وجود شيء يدعى " ضعف الولاء " أو "اهتزاز صفة المواطنة".
لا شك أن مجتمعاتنا العربية اليوم تعاني اهمال غير مسبوق ، فضعف الولاء أصبح سمة رائجة في يومياتنا النكداء ، ولقد تحول هذا الأخير - مع كرّ الليالي الكالحة - إلى جوع ، وهذا بدوره تحول إلى ما يشبه العصيان ، أو التمرد ، أو الإغتراب الوجودي فالموظف لا يريد عمل شيء ، والطالب لا يُحسن صُنع شيء ، و المتخرج محتار في كيفية بناء مستقبله ، فتحول الذكاء إلى قدرة على التهرب من المسؤولية ذلك لعدم القناعة بما يقدم له ، أو بالدور الذي يقوم به داخل المجتمع ، أو سبب تمسكه بحب وطن لم يأكله بقاؤه فيه رغيفا أو ربما لعدم الإستجابة لمطالبه و انشغالاته من قبل القوى الفاعلة و أصحاب القرار وولاته . فأصبح يعبر عن خيبة امله في وطنه بطرق مجنونة و غير محسوبة .
و لعل ابرز المراجعات المطلوبة حاليا في هذه المحطة الزمنية الجديدة هي مسألة " ضعف الهوية الوطنية " ، التي تعتبر عنصر استغلته القوى الإمبريالية في مغزاها الجديدة من خلال " ضعف الانتماء" الى الوطن لتلتفظ سمها في عسل وشخصية العربي بصفة عامة ووعيه بصفة خاصة . و الذي كان يتخذ من وطنه مذهبا مقدسا و صورة لا يمكن تزييفها بأي حال من الأحوال لتتدخل الظروف المحيطة به و محرفة حروف كتبت بدم الوريد لتدوس ارض الحبيب و ليقولوا لنا هل لكم من مزيد .
و لتفعيل لذلك لا يأتي من فراغ ، فلا يمكن الضغط على الشباب وتعبئة قواهم لخدمة مجتمعهم و وطنهم بالخطب والمواعظ والأشعار، إنما يتحدد انتماؤهم لبلدهم بما يسمى " أدوات التأثير الفعالة على المواطن "، عن طرق عملية " غسيل مخ " و التي تتمثل في جاذبيتهم و و حسهم و تقربهم من حياتهم و يومياتهم و طلباتهم و انشغالاتهم ولا يتأتي ذلك إلا بتوفير منظومة من العناصر المتكاملة في قوتها لتعطيهم قوة .
ـ فمل رأيكم في ذلك ؟