بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان بجوار المسجد ، خاصة حجرة عائشة رضي الله عنها ، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف فتبسّم يضحك ، ونكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصل له الصف ، فظنّ أنه يريد الخروج ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فأشار إليهم أتموا صلاتكم ، فأرخى الستر ، وتوفي من آخر ذلك اليوم . رواه البخاري ومسلم .
فهذا يدل على قرب الحجرة من المسجد ومُلاصقتها له .
ويدلّ على ذلك قول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي إليّ رأسه وهو مجاور في المسجد ، فأرجله وأنا حائض . رواه البخاري ومسلم .
وقد دُفن النبي صلى الله عليه وسلم حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها .
ثم تعرّض الجثمان الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلى السرقة ، فقد جرت محاولة لسرقة جثمانه صلى الله عليه وسلم ، وحماه الله وحرسه ، مما أدى إلى إدخال الحجرة في طرف المسجد ، ولا تزال في جانب من المسجد .
حيث تمت التوسعة التركية من أمام الحجرة قليلاً .
ثم التوسعة الحديثة ولا تزال الحجرة تُعتبر في زاوية من زوايا المسجد حيث لم تُشمل بالتوسعة بحيث تكون في وسط المسجد .
وهذا الفعل لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيُحتجّ به ، ولا من فعل الخلفاء الراشدين ولا من فعل بقية أصحابه رضي الله عنهم .
كما أنه لم يكن إلا في زمن الوليد بن عبد الملك كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
شأن هذا العمل كشأن أي عمل بشري يُقبل منه ويُردّ ؛ لأن هذا اجتهاد من الوليد لا من فِعل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء ، ولا مِن فعل أصحابه رضي الله عنهم .
وإن كان إدخال القبر في ناحية المسجد لحاجة ، ومع ذلك لا يُنسب هذا الفعل إلى الشرع ، ولا يُقاس عليه .
ثم إنه قد يرد سؤال أو اعتراض : لماذا لم يُذفن عليه الصلاة والسلام في البقيع كما دُفن غيره ؟
فأقول : ثبت عند ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن قال : لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له ، فقال قائلون : يدفن في مسجده ، وقال قائلون : يُدفن مع أصحابه ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قُبض نبي إلا دفن حيث يقبض . قال : فرفعوا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه فحفروا له ثم دُفن .
فهو عليه الصلاة والسلام لم يُدفن إلا في حجرته التي مات فيها ، وهذا أمر منصوص عليه .
وفرق كبير بين أن يُدفن في المسجد أو أن يُدفن في حجرته الملاصقة للمسجد .
فالأول ذريعة للشرك بالله واتخاذ القبور مساجد ، والثاني ليس كذلك إذ الحجرة معزولة عن المسجد .
ولا دليل فيه ولا مُستمسك لأهل البدع الذين وضعوا القبور في المساجد وشيّدوا المساجد على القبور ، كما هو حال كثير من المساجد .
والله تعالى أعلى وأعلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لما وسع المسجد فى خلافة الوليد بن عبد الملك ، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أمره أن يشترى الحجر ويزيدها فى المسجد ، وكانت الحجر من جهة المشرق والقبلة فزيدت فى المسجد ودخلت حجرة عائشة فى المسجد من حينئذ ، وبنوا الحائط البرانى مسنما محرفا . انتهى .
وقال الحافظ ابن كثير :
كان الوليد بن عبد الملك حين ولى الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع في بناء جامع دمشق ، وكتب الى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسّع في مسجد المدينة ، فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه
وقال الذهبي في سيرة الوليد بن عبد الملك :
وكان قليل العلم نهمته في البناء أنشأ أيضا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزخرفه .
ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يُزخرفوا المساجد ، وقد جاء النهي عن زخرفة المساجد
قال الإمام البخاري :
وأمر عمر ببناء المسجد ، وقال : أكنّ الناس من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ، وقال : أنس يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ، وقال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى .
ففعل الوليد بن عبد الملك ليس بحجة عند أهل العلم .
وعُـبّاد القبور يُريدون إثبات أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده ، ليتّخذوا ذلك ذريعة إلى تسويغ الشرك ! وإلى تصحيح أفعالهم !
وهذا باطل من وجوه كثيرة ، منها :
1 – أن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِن في بيته ، وبيته لم يكن في المسجد بل كان مُلاصقا للمسجد ، ثم أُدخِل إلى ناحية المسجد حماية لجثمانه صلى الله عليه وسلم .
2 – أن ذلك لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قد نَهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يُتّخذ قبره مسجدا ، ولذلك لم يُبرز الصحابة قبره صلى الله عليه وسلم ، ولا دفنوه صلى الله عليه وسلم في مسجده .
3 – أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يُتّخذ مطافا كما في القبور التي جُعلت في بعض مساجد المسلمين ، بل وفي بعض الأضرحة التي تُضاهَى بها الكعبة المشرفة !
4 – أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال في ناحية من المسجد النبوي ، وليس في وسط المسجد . ثم إنه لا يزال في بيته صلى الله عليه وسلم مُحاطا بالْجُدران .
والله أعلم .