بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حقوق المسلم على المسلم النصح فى الله فالمسلم مرآة أخيه وإليك ما ورد فى كتاب "دليل التنمية البشرية" للأستاذ هشام الطالب الخبير الإدارى يفصل فى موضوع النصيحة قال فيه:
أولاً: طبيعة النصيحة:
النصيحة من أهم خصائص الداعية فهي عبارة عن أداة جوهرية للإثراء الحقيقي والمخلص في المجتمع. وقد عرّف النبي عليه السلام الدين بأنه النصح للمسلمين بقوله: "الدين النصيحة" قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".
إن أهمية هذه الصفة تتضح من حقيقة أن النبي عليه السلام قد أخذ البيعة من جرير بن عبد الله وغيره من الصحابة على ثلاثة أفعال: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتقديم النصح لكل مسلم. وتعني عبارة "كل مسلم" الحاكم والمحكوم.
فإذا ما ادعينا أننا نحب إخواننا المسلمين فإن أحد معايير هذا الحب هو ذلك القدر من النصح المخلص الذي ننقله إليهم. إذا لم نفعل ذلك فإن حبنا سيكون سطحيًا، وسيكون ادعاؤنا كلامًا وليس شعورًا دافئًا من القلب.
لقد كان تقديم النصيحة هو رسالة كل رسل الله؛ فقد ورد على لسان هود (عليه السلام): "أبلغكم رسلات ربي وأنا لكم ناصح أمين".. وكذلك نبي الله شعيب (عليه السلام): "… لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم" (سورة الأعراف: 93).
ثانيا: النصيحة كوسيلة لمعرفة الذات:
إننا كبشر نؤدي أعمالنا بدون ملاحظة أنفسنا أثناء ذلك، وهذا يمثل من دون شك تحديدًا لقدراتنا، لكن الله سبحانه وتعالى عوضنا عن هذا التحديد بأن جعل المؤمنين مرآة بعضهم لبعض. ومن خلال إخواننا يمكننا أن نراقب أعمالنا عندما نؤديها.
ووفقًا للتعاليم النبوية فإن المؤمن مرآة أخيه.
فالمرآة تعطينا صورة حقيقية لا أكثر ولا أقل، وعلينا أن نفعل الأمر نفسه حينما ننقل الصورة إلى إخواننا عن طريق النصيحة.
إن الإنسان الحكيم يستفيد من النقد الموجه إليه وذلك بتصحيح الأخطاء التي يراها الآخرون فيه ولا يلحظها هو. وفي الحقيقة، فإن الصديق المخلص الذي ينقل النصيحة يعد صديقًا لا يمكن الاستغناء عنه في هذه الحياة. وقد دعا عمر رضي الله عنه ربه مرة فقال: "رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي" والنصيحة هي اتصال ذو اتجاهين؛ ذلك أن على الشخص المنصوح أن يرحب بالنصيحة بقلب سمح وعقل منفتح ووجه مبتسم وتعبير بالامتنان والتقدير يتبعه تصميم وعزم على الشروع في العمل نحو تحقيق التحسن المطلوب.
ومن جهة أخرى، فإن المرء الناصح عليه أن يكون صبورا وحاذقا في استخدام الكلمات المناسبة والجو النفسي المناسب، ويجب ألا يتقاعس أو يثبط من عزمه إذا لم يكتشف حدوث تغيير فوري في موقف مَن وجه إليه النصيحة أو في سلوكه، إنّ مثل هذه التغييرات عادة ما تحتاج إلى فترة زمنية تنقضي بين الاقتناع ثم العزم والتنفيذ
.
وحتى يكون الناصح أكثر فعالية وتأثيرا عليه أن يظهر الحب ويبدي الود والإخلاص، كما أن نغمة النصيحة يجب ألا تنم عن شعور بالتفوق والاستعلاء أو عن لوم أو سخرية أو اتهام، وطبقا للتوجيهات الإسلامية يجب أن تؤدى النصيحة سرًا وليس علنًا لمنع إظهار أي شعور سيئ. إن الهدف من النصيحة هو تصحيح العيوب لدى الأفراد وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم.
وبينما يتعين علينا فتح صدورنا لتلقي النصيحة يجب أن نحترس من أن يخدعنا أحد، مثلما أزلّ الشيطان أبوينا وأخرجهما من الجنة.. "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" سورة الأعراف، أو كما مكر يوسف بأخيهم: "وإنا له لناصحون" سورة يوسف.
ثالثا: النصيحة كواجب
إن تقديم النصيحة واجب علينا، بغضّ النظر عن الطريقة التي يتم تلقيها بها، إذ قد لا تلقى النصيحة قبولا طيبا:
"لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين" سورة الأعراف: 79، ولقد ذكرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأمم هلكت لإهمالها النصيحة، والأهم من ذلك هو ضرورة تقديم النصيحة لوجه الله سبحانه وتعالى وحده وليس لأي غرض دنيوي.
وفي هذا الصدد على كل داعية أن يكون قدوة حسنة للممارسة الصحيحة لهذه الفضيلة، ويجب ألا نصاب بالإحباط من الذين يَبدون غير مكترثين عن تلقيها في وقت ما كانوا مقدّرين وممتنين تماما في قلوبهم فيما بعد.
وثمة كلمة تحذير: إن إسداء النصيحة إلى شخص لا يعني بالضرورة أن رأينا حول هذه القضية رأي صحيح وسليم، قد نكون نحن على خطأ ويكون الشخص الذي نوجه إليه النصيحة على صواب، في مثل هذه الحالات فإن ممارسة النصيحة يجب ألا تتحول إلى جدال عقيم، بل يجب أن تكون بمثابة النقاش الأخوي، هذه هي المسئولية التي يتشاطرها كل من الناصح والمنصوح.
دعونا نوجز فيما يلي المبادئ القرآنية حول هذه القضية:
1- إن إسداء النصيحة كان على الدوام رسالة الرسل.
2- إن النصيحة لا تلقى القبول الطيب في بعض الأحيان.
3- يتعين علينا أن نحتاط حتى نتجنب أن ننخدع بالنصيحة.
4- إن مسئوليتنا هي تقديم النصيحة، لكن النصيحة لا تؤتي ثمارها إلا بإذن الله سبحانه وتعالى.
رابعا النصيحة في مجال التطبيق
أ- من العموميات إلى الخصوصيات:
يقول الله سبحانه وتعالى: "وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" سورة الذاريات.
إن التذكرة ليست هي التعليم لأنها تفترض أن المعرفة متوافرة بالفعل، والمعرفة واجبة ولكنها ليست كافية، إننا في بعض الأحيان ننسى وفي أحيان أخرى لا نعي سلوكنا، وعندما نؤدي عملا ما لا نرى أنفسنا، لكن الآخرين يروننا، وإذا لم يخبرونا بالكيفية التي نتصرف بها فإننا نظل غير مدركين لعناصر القوة أو نقاط الضعف فينا، ويعتبر هذا عائقا لدينا، لكن الله سبحانه وتعالى أوضح لنا أن الحل يأتي من اشتراكنا في مجتمع الذكرى والتذكير.
أولا: هناك التذكير المستمر لله سبحانه وتعالى: لقد نظّم الإسلام ذلك من خلال أداة الذكر: "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار" سورة آل عمران.
ثانيا، المستوى السلوكي للمؤمنين، وهذا يأتي في الحديث عن طريق: "المؤمن مرآة المؤمن".
في المرآة العادية يرى المرء نفسه بدقة وتتحدث المرآة إليه حديثا بصريا مرئيا، أما في المرآة الأخوية فإن على المؤمن أن يتحدث بصوت عال إلى أخيه، وهنا مكمن الإخفاق والفشل، إن إخواننا غالبا ما يرغبون في تصحيح أخطائهم إذا ما عرفوها، لكن إذا كان الأخوة المراقِبون لا يحددون لهم أخطاءهم فإن المخطئ سيواصل تكرار الخطأ، وفضلا عن ذلك، فإنه لا يكفي أن نخبر أحدا بأن يكون نظيفا لأنه يعرف أنه يتعين عليه أن يكون نظيفا.. عليك أن تنتقل من العموميات إلى الخصوصيات، وعليك أن تبين له مثلا أن رائحة كريهة تنبعث منه أو أن رائحة فمه غير طبيعية أو أن ملابسه قذرة، إلى غير ذلك من التفصيلات المحددة، لكن بأسلوب مهذب رقيق لئلا تكون النتيجة عكسية.
ب- من المعرفة إلى السلوك:
في العمل الميداني علينا أن ننتقل من مستوى العموميات إلى مستوى الخصوصيات كلما سنحت الفرصة، وبهذه الطريقة فإن الشخص الذي يتلقى النصح يدرك أين تكمن المشكلة ويبدأ بالتصحيح، وهكذا، فبمجرد أن نحدد الخطأ يصبح واجبنا بيانه، وإلا فإن الأخ الذي يتعين النصح له سوف يجعلنا عرضة للحساب يوم القيامة.
وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي مرّ علينا سابقا: (رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي) يبين أن عمر يفهم تذكيره بعيوبه على أنها هدايا تُهدى إليه، وأنها في الواقع ليست هدايا قيمة فقط ولكنها هدايا ضرورية -إضافة مني بسيطة مع الاعتذار(وتكمن أيضا هنا في كلمة هدية الطريقة التي تُقدّم بها النصيحة فقد شبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تقديم النصيحة يكون مثل تقديم الهدية في الأسلوب الجميل وفي الأدب الجم الذي تُقدّم به الهدية إلى المهدى إليه والذي يجعل من ننصحه يزيد حبه واحترامه تجاهنا لا أن يغضب منا للأسلوب الذي قدمت به النصيحة إليه. والله أعلم))) -لا يمكن الاستغناء عنها ولا سيما في الوقت الحاضر؛ إذ فقدنا هذه الممارسة الجميلة.
إن هذه الممارسة تنبع من حبنا للآخرين واهتمامنا بهم، فإذا أنت أحببتهم فيتعين عليك أن توضح لهم أخطاءهم لا أن تفضحها للآخرين، ويتعين عليهم أن يتبادلوا معك ذلك، وإلا فإن الإيمان يصبح موضوع تساؤل وفقا للحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وهذا هو نقيض الأنانية التي نجدها في المجتمعات المادية لأن الناس فيها يهتمون بأنفسهم فقط، إن غايتهم هي الحرية الشخصية للتمتع بالشهوات والانقياد وراء الرغبات، وهم بذلك غير ملزَمين أن يخبروا الآخرين ما لا يودّون سماعه.
إن هدفنا هو إقامة الحق في المجتمع حتى لو أدى ذلك إلى إخبار الآخرين بما لا يودون سماعه، وعلينا أن نبدأ حالا، ففي المرة القادمة عندما ترى أخاك يرتدي قميصا فَقَدَ بعض أزراره، أو يضع رباط عنق معوجا أو فتحة سرواله مفتوحة، أو أن تجد الطعام على وجهه ولحيته أو أن حذاءه غير مربوط بإحكام، أو أنه يتحدث بصوت عال -أن تذكره على انفراد وعلى الفور.. وعلى الشخص الذي وجهت أنت إليه النصيحة أن يكون شاكرا لك هذه الهدية العظيمة التي أهديتها إليه.
والله تعالى أعلم.
__________________
إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ،وإعمل لأخرتك كانك تموت غدا.