الصداقة
الصداقة
هي كلمة بسيطة تحمل داخلها وفي محيطها جواهر ثمينة ومقالات كبيرة وعبارات عندما نحن نسمعها نشعر بشئ ما لا نشعر به الا في هذه العلاقة الجميلة التي تغيّر المسارات وتفتح الأفاق وتصلح الأحوال وتجعلك سعيداً بنفسك ومكانتك فمن لا يملك الصديق الآن فإنما هو كالبائس من الحياة والراغب في بلوغ خطوات كلما سعى لها عاد الى الوراء لأنه بدون صديق قد لا يشعر بقيمته ودوره , ان الصداقة ليست هي مجرد علاقة بين شخصين أو أكثر فحسب , فهذا الذي نراه
في مجتمع الصداقات انما هو منظر خارجي يجرّ خلفه عدة مناظر قد يستصعب
على الكثيرين استجلابها وهم من لا يشعروا بقيمة الصداقة , ان تلك المناظر
هي مجسّدة في مدى التآلف والتآخي وازدهار معاني الصفات الجميلة من الود والاحترام
والنصح المتبادل والدعوات والاهداءات والسلام وغيرها الكثير والكثير من الأمور
المحببة التي ربما لا يصلها البعض من معتنقي هذه العلاقة الثمينة , الصداقة الحقيقة
هي التي تؤدي دورها في الذي يتعايش معها , ففيها تقويم للأخلاق وإشحاذ
للهمم الراكدة وتحريك للمشاعر اليابسة واسنتهاض قوي للصفات الحسنة في الانسان
وهي لم تكن لتؤدي دورها إذا ما توافرت البيئة الصحية لها مما سبق ذكره
من حموم الصداقة الأخوية بين أطرافها .
في عالم الأصدقاء تتعدد الصداقات بين الناس والأجناس , وان اختلفت معالم
البشر يبقى ركن الصداقة الأول هو الصديق نفسه وانما جعل ركنا لأنه هو
المسؤول الأول عن بناء معالم الصداقة , ان الصديق انسان له طبعه وله خصاله
وله انسانيته التي تبعث لنا بتعدد أنواع الصداقات باختلاف هذا الصديق , نعم
فهناك صداقة بنّاءة بارزة تكون ظاهرة غير غامضة وهذه الصداقة هي الصداقة
الكاملة الأوصاف , حيث الباني لعمادها الانسان السوي العاقل والمدرك لما حوله
بعقله فيحسن في خطواته التي يقدم عليها وها هي خطوته الجريئة في ضم صديق
نجحت كما سعى فوضع أساساً متميزاً له يجعله انساناً اجتماعياً مدركاً للواقع والحياة
وكذلك الواقع يستجيب له , وعلى النقيض في الطرف الآخر فهناك صداقة
هدّامة وغامضة تلك التي يغطّيها غموض دائم وهروب طابع وشلل غالب عليها
وعلى مؤسسيها فالصديق فيها يكون في طبعه شخص ميّال دائما لأهواءه تاركاً عقله
يسبح في ظلام دامس , فإذا هو يرتمي على أي صديق مال قلبه المريض اليه
فيكون بدوره جرثومة مميتة تقتل غيرها وثم تنتحر فيكون بالتالي انهدام مشروع فاشل
للصداقة بدأها هذا الصديق المريض بالبناء فكانت نهايتها (وان طالت مدة الصداقة)
بالسقوط والفشـل.
دعونا لا نخرج عن نطاق دور الصديق البارز - ركن الصداقة - ففي مخيلة كل انسان
بدأ في التعايش فعلاً في علاقة صداقة حميمة هذا السؤال :
كيف سأكون صديقا وفياً للصداقة ولصديقي؟
الجواب ببساطة لهذا الصديق أن يكون مسلّما لأمرين مهمّين مرتبطين ببعضهما يجعلهما الشعار لهذه الصداقة
الأمر الأول : الوفاء لعلاقة الصداقة بالأفعال الحقيقية بعيدا عن الاكثار في كلام
كاذب يمنّي به نفسه , وتلك الأفعال لا تكون واقعية وصادقة الا اذا كانت مرتبطة
تماماً بالأمر الثاني : وهو النية الصادقة في تأدية هذه الأفعال التي هي مفتاح الوفاء
الجميل لهذا الصاحب والصديق , ان صدق النوايا في أفعال وأقوال كالسلام والاهداء
والزيارة والمصافحة والسؤال للصديق تكون بمثابة طريق ملئ بالورد الى الطرف الآخر
الذي سوف يستقبل هذه الورد وستكون آثار الورود ظاهرة في مبادلة الشعور نفسه
من ذاك الصديق , وبهكذا اذاً يكون الصديق وفيا للصداقة أولا ولصديقه ثانياً ,
تلك الصداقة هي بالفعل علاقة من ألماس ونادرة بندرته ولاتنتهي الا بالفراق الطارئ
أو الموت !.
وللصديق على الرغم من بساطة ولطافة العلاقة التي يعيش بها دور مهم في المجتمع
فهو ان صلح وصديقه صلح وصديق صديقه صلح فإنه يتكون لدينا مجتمع صالح
أصلحه نخبة منه وهم هؤلاء الأصدقاء , وضد ذلك تماماً أن يكون واقع المجتمع
رديئا برداءة ناسه هم من أرادوا افساد كل معارفهم بما يحملوه من واقع ردئ
وسئ .
ولأهمية الصديق أيضاً أنه قد يكون المحدّد لمصير صديقه ورفيق دربه ,
فصديقه ان أراد أن يكمل نصف دينه فإن أهل الفتاة يلجأوا أخيراً في كل الأحوال
للسؤال والبحث عن أصدقاءه لمعرفة أخلاقهم وطباعهم ومدى تؤثره وهم بذلك أما أن
يكونوا جسرا أحمر له أو يكونوا كابوسا أسود له ... قال الشاعر :
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قريـن بالمقـارن يقتـدي
أقول مستدركا و مستنتجاً من ما خطّه القلم , ان علاقة الصداقة كنــز ثمين جداً
وقد تكون الصداقة من ذهب لو كانت تحمل معناها الحقيقي , وانها في الحقيقة
من أسرار النجاح والارتقاء والتقدم , ولعلنا نجد في الرسول صلى الله عليه
وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عيهم خير أمثلة لصداقات دامت سنينا لم تنقطع
كانت حينها مفتاحاً للنصر والعلم ولأمور كثيرة , هذا بالاظافة أنها بعثت لنا
برسائل كبيرة عن صدق المعاني في الشيم والكرم والتضحية والايثار , وكل ذلك
من أجل الصداقة ما أعظمها !!__ __ __ __ __ __ __
أنتــم وعالم الأصدقاء
بدون نكران أو تهميش نعلم أو تعلم أن في الصداقة عليك تأثير جبّار
قد لا يكون في وسعك احضاره , أحيانا قد تنشغل عن ذلك وأحيانا
تتطمع في الحصول على المزيد من هذه الصداقة ليس بمعنى المطامع
المصالح ؛ انما هي تيك الأحاسيس والمشاعر والكلمات والنبرات والمواقف
التي تصدر من هذه العلاقة العميقة فعلا .
هذا هو بالفعل المبتغى الحقيقي اللذي نراه واقعا في الصداقة الجميلة التي
يكون فيها الاخلاص شعارا والوفاء نقشا في عمقها وقلبها , وما أجمل
ذلك لو أننا نراه صورة بارزة في المجتمع الحالي الذي غلب في تركيبته
مادة المصالح التي سلبت الصداقة معناها وحقها الحقيقي !
منكـ أنت أود أن أستشف وأعرف كثيرا عن واقع صداقاتك وتأثيرها عليك,
وكيف يمكن لك أن تفعل لو أنك بدون صديق, وما هو برأيك رمز الوفاء
للصداقة ,وما هو مدى العلاقة بين الصداقة والمجتمع ؟.. الكثير والكثير عن الصداقة
يمكنكـ استخراجه منها من المفاهيم والمضامين الكبيرة والأساليب فيها
سواء تعددت باختلاف الأعمار أو الأجناس ..
__ __ __ __ __ __ __
في ختام مقالي الصديق لكم .. أرجو أن تكون رسالتي في الصداقة قد تمكنت
من تثبيت نفسها في أذهانكم مع أمنيتي بأن تحوز على رضاكم واستحسانكم