ببساطته المعهودة التي تعود عليها كل الجزائريين. إستقبلنا الشيخ سعدان في بيت أخيه عمي الشريف وأجاب عن كل أسئلتنا في أول تصريح له لوسائل الإعلام في الجزائر بعد استقالته من على رأس المنتخب الجزائري في أعقاب أول مباراة للخضر في تصفيات كأس إفريقيا 2012 أمام المنتخب التنزاني.ربما قد أحرجك في البداية، أود أن تكون بالإستقالة، كيف كانت وأسبابها؟الكل على علم بأن عقدي مع الاتحادية الجزائرية ينتهي في شهر جوان الماضي، وهو ما جعلني أفكر في المغادرة لأتفرغ لأموري العائلية التي كانت تحمل هي الأخرى برامج تخص حياتي الشخصية وأفراد عائلتي الذين صبروا علي كثيرا طيلة ثلاث سنوات، لقد أهملتهم بعض الشيء، وهو ما جعلني أفكر جديا في الانسحاب لكن رغبة المسؤولين عن الرياضة وإلحاحهم جعلني أبقى على رأس العارضة الفنية وأواصل مهامي بشكل عادي، لكنني كنت متيقنا بأن هناك صعوبات ستواجهني للاستمرار في العمل الذي قمنا به طيلة ثلاث سنوات.
وماهي طبيعة هذه الصعوبات؟قبل أن أشرع في عملي قلت في الندوات الصحفية التي عقدتها وللصحافيين بأن المنتخب الوطني بحاجة ماسة لمساعدتهم ومساندتهم، لأنه سيمر بمرحلة صعبة ويجب أن يصبر الجميع على منتخبهم بسبب فترة التحضير للموسم الجديد والتي صادفت خروج اللاعبين من مشاركة مونديالية وركونهم للراحة لمدة طويلة، الذي كان سيؤثر في مستواهم، واستندنا في ذلك على قواعد ومناهج علمية في التدريب لكن بعض الأقلام الصحفية أخذت الأمر بنوع من الاستهزاء فشنت علينا حربا بعد نتيجة تنزانيا، وقالت قبل اللقاء بأن المدرب الوطني متخوف ونحن نجهل هذا التخوف فأنهالت علي بالانتقادات بعد أول مقابلة رسمية في تصفيات أمم إفريقيا 2012 وكأنها نهاية العالم.
ولماذا في رأيك هذه الحملة الإعلامية التي تطالك مثلما حدث بعد مونديال 86 إلى 2004 وأخيرا 2010 رغم أنك أعدت الهيبة للكرة الجزائرية وأدخلت البهجة للبيوت الجزائرية؟ ما لم أفهمه أن ثمة نكران للجميل لأنني لا أريد مدحا من شخص، ولكن لا أريد في نفس الوقت انتقادي بشكل سيء من أطراف إعلامية لا تستحق أن تكون في الصحافة، خاصة المكتوبة، ففي الجزائر يوجد صنفان من رجال الإعلام، صنف محترف لأبعد الحدود وصنف بعيد تماما عن العمل الصحفي، وهم أصحاب الفتن وبعيدون عن أخلاق هذه المهنة الشريفة، هؤلاء يعتمدون على الذاتية ويتخلون عن الموضوعية التي تشتمل النقد الفعال والبناء الذي يشمل التنبيه، وهو الدور الذي لعبه البعض الذي نبهنا لعدد من النقاط وتداركناها طيلة إشرافي على المنتخب، وهم مشكورون على ذلك، كونهم وطنيين في مشاركتنا القارية والعالمية، عكس آخرين يتدخلون في كل الأمور، التقنية والفنية التي يجهلها حتى أصحاب مهنة التدريب، فينتقدون أماكن التربصات التي نختارها، فحدث فعلا هذا عندما اخترنا كرانس مونتانا وغيرها من مراكز التحضير التي كنا نرى بأنها الأنسب بالنظر للكثير من المعطيات العلمية، لكن هؤلاء أرادوا تحسيسنا بأننا على خطأ، لكن الحمد لله نحن أصبنا وهم أخطؤوا، وحققنا نتائج أفرحت كل الجزائريين، ورفعنا علم بلادنا وأضفنا لسمعة الجزائر الكثير، لكن دائما كنت أقول إن مستوانا لا زال متوسطا، ولا يجب أن نغتر، وكنت أقول دائما أيضا بأننا مازلنا بعيدين عن المستوى العالمي، ويتوجب علينا العمل، غير أننا اصطدمنا مرة أخرى بكتابات صحفية تقول بأننا وصلنا المستوى العالمي وأنه بإمكاننا الوصول للدور نصف النهائي للمونديال، وهو ما أدهشني، وجعل فئة من الجمهور الجزائري ممن يفقه كرة القدم تطالب بأشياء أكثر من ذلك، فهذا ما جعلني أعتبر بأن هؤلاء غايتهم هي تحطيمي شخصيا وإعادة الكرة الجزائرية إلى سابق عهدها حتى يخلو لهم الجو لجلب من يريدون لقيادة العارضة الفنية للمنتخب.
على ذكر العارضة الفنية، لماذا أصر سعدان على الإبقاء على نفس المساعدين؟ غير طبيعي أن أعمل رفقة مساعدين طيلة التصفيات وأثناء السفر للمنافسة الرسمية أقوم بتغييرهما، فهذا ليس من الأخلاقيات، لأن المساعدين الذين كانوا معي طيلة تلك الفترة قاموا بعمل جبار ولا يمكنني أن أنكره، كما أن اختيارهم في بداية العمل كان انطلاقا من الكفاءة التي يتمتعون بها كبقية الإطارات الجزائرية التي تعمل في كل اتجاه، وهو ما قادني إلى الاحتفاظ بهم وعدم جلب من كانوا ينادون بجلبهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لأن هؤلاء الخبراء موجودون سوى عندما يتأهل المنتخب للمونديال، ولم يظهر لهم أثر في فترة التصفيات، لأنني أؤكد بأنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر سقوطنا، فالنية كانت بين جميع من كانوا معي في الطاقم الفني، وهو ما جعلني أتمسك بهم من باب الحفاظ على الاستقرار الذي يمثل عاملا مهما في استمرارية أي منتخب أو ناد.
لو طلبنا من الشيخ سعدان أن يقدم لنا تقييما لفترة 3سنوات أشرفت فيها على حظوظ الخضر القارية والعالمية. ثلاث سنوات مرت بسرعة ولم أحس بها، لأن الجميع ممن كانوا حول المنتخب الأول كانوا يعملون كمجموعة حديدية كانت ملتفة حول اللاعبين، وكما تعلمون التصفيات جرت على سنتين، فقمنا بعمل مكثف ومستمر جعلنا لا نحس بأننا قضينا ثلاث سنوات، وأنا شخصيا أحمد الله على النتائج المحققة طيلة هذه الفترة، لأننا كنا مصنفين فوق المائة ضمن التصنيف العالمي للمنتخبات، وفي الفترة التي قضيتها على رأس المنتخب أصبحنا مصنفين في المرتبة 27 عالميا، وهي خطوة جبارة دخلت في تاريخ الكاف وتاريخ الفيفا، مما يدل على أننا لم نخرج صفر اليدين وكسبنا منتخبا شابا فتأهلنا لنصف نهائي كأس إفريقيا، وتأهلنا لكأس العالم وكنا المنتخب العربي الوحيد المشارك، ولو نأتي لمرحلة التقييم فإن الدور الأول من التصفيات كان صعبا، لأننا واجهنا السنغال وغامبيا، وفي الدور الثاني واجهنا مصر وزامبيا، وهي كلها منتخبات قوية قاريا ولها اسمها وهيبتها، مما يجعلني أقول إننا نجحنا في بناء منتخب في ظرف وجيز لا يجب أن ينهار أو نسمح لأي كان أن يقود حملة لتكسيره.
نفهم من كلامك بأنك ستكون في المديرية الفنية وقريب من المنتخب؟ كلامي واضح، فأنا في خدمة الكرة الجزائرية كخبير في هذا المجال وكمكون، وهي المهنة التي سأواصل فيها عملي، ولهذا أقول بأنني بجانب كل المنتخبات الجزائرية التي تحتاج إلى مساعدة مني في إطار وحيز، لأن الإطار الجزائري أصبح يتمتع بسمعة عالية، خاصة بعد أن عدنا لكأس العالم الأخيرة بعد غياب دام 24 سنة، وهو ما لمسته في مشاركتي الأخيرة في الأيام التي نظمتها الفيفا في القاهرة .
يعني هذا أن المنتخب الجزائري والإطار الجزائري في الاتجاه السليم؟ نعم، قد لا تصدق فرحتي وخبراء الفيفا يظهرون بأن الملاحظات التي قدمناها لهم بخصوص البرمجة الصعبة في شهري سبتمبر وأكتوبر والتي أثرت كثيرا في مردود اللاعبين والمنتخبات وساهمت في ظهور العديد من الإصابات لدى جل اللاعبين، خاصة أولئك الذين شاركوا مع منتخباتهم في مونديال جنوب إفريقيا، قد قدمت لهم من طرف مدربي المنتخبات الأوروبية، وهو ما يدل على أننا نعمل وفق منهج عالمي وقواعد صحيحة تخص المشاكل التي قد تقف في وجه المنتخبات في حالة ما كانت البرمجة ضيقة وفي وقت قصير، مما تنجم عنه مشاكل بدنية تصيب جل اللاعبين.
معنى هذا أيضا بأننا خرجنا بنتائج مقبولة بعد مونديال جنوب إفريقيا؟ بالفعل كسبنا منتخبا شابا بإمكانه تقديم الكثير في المستقبل، وهو شيء إيجابي لا يجب أن نتناساه، فمنتخبات ألمانيا وغانا كسبا في هذا الحدث العالمي تشكيلة شابة معدل عمرها لا يتجاوز 23 سنة، وهو ما زادهم قوة أمام منتخبات كانت مرشحة للفوز بكأس العالم، بفضل العمل المتواصل وسياسة التكوين واختيار الأفضل، وهو ما كنا قد اعتمدنا عليه، حيث قمنا بعملية تشبيب الفريق، لأننا كنا نفكر في 2012 و2014 بلاعبين شبان وممتازين، وهي النوعية أيضا التي أصبحت تبحث عنها الفيفا، فالمونديال الأخير تم فيه اكتشاف المواهب التي صنعت في المنتخبات مثل تشافي، إنييستا ودافيد فيا وجيان من غانا وغيرهم من اللاعبين الذين أضافوا الكثير لمنتخباتهم، ومنتخبنا بشهادة جميع خبراء الفيفا متطور بدنيا وفنيا وتكتيكيا مما يشرف الجزائريين.
وكيف ترى مشوار المنتخب مع المدرب بن شيخة؟ بن شيخة مدرب كفء وهو من تلاميذي، وأنا لا أرى المشكل في هذا المدرب أو غيره من الكفاءات الجزائرية، بل أرى المشكل في المحيط المكون بالخصوص من بعض الصحفيين وبعض المسيرين وعدد من التقنيين الذين يتحدثون مثلما شاؤوا وينتقدون ويعطون آراءهم دون أن يعلموا شيئا وهو ما حدث بعد مقابلة إفريقيا الوسطى وقبلها مقابلة تنزانيا، وهو الأمر الذي يجب أن يزول حتى نحافظ على آمال شعب بأكمله لأن المواصلة في العمل تتطلب الصبر والتضحيات ويتطلب الهدوء وظروف ملائمة ومساعدة على تدارك ما فات.
تم في هذا الموسم تطبيق الاحتراف، هل تعتقد بأن هذه التجربة ستأتي بالجديد في الجزائر؟ الشكر الكبير لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اللذين يسعيان لتطوير الكرة من خلال بعث هذا البرنامج الخاص بالاحتراف، لكن أنا أعود وأقول بأن الأمور ليست سهلة كما يتخيلها البعض الذين ينظرون للمشروع على أنه جلب الأموال فقط، لكن الواقع الذي سيصطدم به هؤلاء يتطلب مجهودا كبيرا بوجود كفاءات تعمل في كل الزوايا، لأن البطولة الاحترافية بقسميها ستعرف في السنوات القادمة عملية غربلة لبقاء الأجدر والأقدر على مواصلة المشوار.
وماذا عن الناديين الباتنيين الشباب والمولودية اللذين بقيا يلعبان على الصعود والسقوط فقط لمواسم؟ وجهة نظري وأنا أحتفظ بها، أن يجتمعا الناديان ويكونا ناديا واحدا يكون قويا من كل النواحي والجوانب، وهذا وفق الإمكانات الاقتصادية التي تتمتع بها الولاية والتي قد تجعل وجود ناد واحد موحد فريقا ينافس على كل الألقاب.
سعدان اليوم في راحة، ما هي مشاريعك في الفترة القادمة؟ لقد عملت مع القناة الفرنسية كنال + لمدة قصيرة وفق عقد كخبير وكمحلل ليس مثل بعض المحللين الذين ينهالون على المسيرين والمدربين بتحليلاتهم الغريبة، لأن من بين شروطي هو التوجيه وإعطاء نظرتي العلمية في هذا الجانب، وأما عن ما أفكر فيه فلدي عدة عروض سواء في التدريب أو من القنوات التلفزيونية، وأنا في إطار دراسة العروض التي تصلني من الفضائيات أكثر، لأنني أصبحت أفضل هذا العمل الذي أراه يتناسب مع سني، كما أنه يمنح لي بعضا من الحرية التي أنا بحاجة لها كما أن هناك مقترحات من الفيفا والكاف في جانب الإشراف على تربصات تكوينية وهي مهنتي الحقيقية التي أحترمها وأعشقها في الكثير من الأوقات.
المنتخب الأول مقبل على التحضير لمواجهة حاسمة أمام المنتخب المغربي الشقيق ما هي الكلمات التي يود الشيخ إيصالها للجمهور الرياضي؟ يجب على الجزائريين الوقوف بجانب فريقهم وأن لا ينساقوا وراء كل ما تقوله بعض الأطراف التي همها الوحيد أن نعود للسنوات العجاف التي مرت بها الكرة الجزائرية، والفريق قادر على العودة بقوة ويجب على الجميع التحلي بالروح الرياضية.